حوار صحفي حول التنمية البشرية

تلقيت رسالة قريبا من أخت فاضلة تدرس الإعلام بكلية الآداب جامعة أسيوط تحتوي على مجموعة من الأسئلة حول التنمية البشرية ليتم نشر الإجابة عليها في مجلة تقوم بإعدادها ونشرها.


وبعد إجابتي عليها وجدت من باب تعميم الفائدة أن أنشر هذه الأجوبة لأهمية هذه الأسئلة وترددها على ألسنة وقلوب الكثير من المهتمين بهذا المجال.


ملحوظة: إجاباتي فيها شيء من الاختصار لتجنب الإطالة، وفي الحقيقة كل سؤال يحتاج إلى مقال مستقل، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله!


(1) ماتعريف التنمية البشرية كمفهوم حديث؟


بالنسبة للتنمية البشرية فلا أعلم لها في الحقيقة تعريفا مستقرا، ولكنها عموما مجموعة من العلوم -أغلبها حديثة- تهدف إلى الارتقاء بالذات ومساعدة الإنسان في تحقيق أهدافه وتطوير قدراته الذاتية

فمنها على سبيل المثال علوم نفسية مثل البرمجة اللغوية العصبية

ومنها علوم خاصة بالذاكرة وتحسينها

ومنها علوم لإدارة الذات مثل التخطيط


(2) كمتخصص في هذا العلم .. هل ترى أن له مقدرة فعليه لإحداث التغيير اذا تم الأخذ به ؟


نعم علوم التنمية البشرية باختلاف أنواعها لها مقدرة عالية جدا على إحداث تغييرات في غاية القوة بشرط تقديمها بشكلها العلمي الصحيح بعيدا عن الكلام الحماسي الفارغ والدعايات الكاذبة!

والعلم موجود في مصادره الأجنية الأصلية لمن يريد معرفة العلم الحقيقي من العلم المزيف!


(3) مامدى ثقة الجمهور بعلم التنمية البشريه؟ ولماذا هناك تشكك لدى كثير من الناس حول قدرة التنمية البشرية على إحداث التغيير ؟


بالنسبة لثقة الناس فهذا يتعلق بما عرفوه وطبقوه ووجدوا فيه استفادة حقيقية، وهذا يتوقف بشكل كبير على من قرأوا له أو سمعوا منه، فإن كان مدربا أمينا حريصا على نقل العلم بشكل صحيح فلا شك سيجدون الفائدة بإذن الله ويثقوا في العلم -لأن العلم في ذات نفسه في غاية النفع كما ذكرت سابقا- وإن كان مدربا غير أمين أو ليس عنده العلم الحقيقي ليقدمه فالنتيجة معروفة.


(4) لماذا لايدرس علم التنمية البشرية في المدارس والجامعات إذا كان بالفعل بهذه الأهمية ويستطيع تغيير الكثير للأفضل؟


لأنها أولا (أغلبها) علوم حديثة نسبيا، ودخول العلوم في المسار الأكاديمي ليس بهذه السهولة ويحتاج إلى وقت طويل، فالتنويم الإيحائي مثلا كان يستخدمه فرويد في مطلع القرن العشرين ولم يعتمد أكاديميا إلا في الخمسينيات، كذلك الإبر الصينية يمارسها الصينيون منذ قرون ولم تتعتمد كأداة طبية إلا في القرن العشرين، ثانيا لأنها علوم تدريبية، بمعنى أن أغلبها "وليس كلها" عبارة عن مهارات تنتقل من مدرب إلى متدربين أكثر من الحاجة للتنظير والتقعيد.

وعموما هناك بعض العلوم بدأت تدخل في المسار الأكاديمي بشكل ما، بالإضافة إلى أن الكثير من الأطباء النفسيين بدأوا في الاتجاه لتعلم البرمجة اللغوية العصبية على سبيل المثال.


(5) كم نسبة الاستجابة والتغيير -تقريبا- التي حدثت بالفعل والتي قد تحدث اذا تم الاقتناع بالتنميه البشريه واذا تم تطبيقها في الحياة العمليه؟


نسبة الاستجابة على المستوى الشخصي لا أبالغ إن قلت إنها غير متصورة، وقد رأينا الكثير من الحالات التي تتحول بشكل إيجابي غير مسبوق وغير متصور نتيجة تعلم البرمجة اللغوية العصبية وممارستها وغيرها من العلوم.


(6) التنمية البشرية يراها البعض وكأنها الخلاص للبشرية من همومها وأحزانها ... مارأيك في ذلك ؟


علوم التنمية البشرية الحقيقية ليست مناهج حياة حتى نقول إنها السبيل إلى الخلاص، ولكنها مجرد وسائل للتحسين، مع ضرورة وجود المنهج الحياتي المتمثل عندنا -كمسلمين- في ديننا.

ولكن من منا لا يريد تحسين حالته النفسية ومستوى أدائه في العمل والتخلص من المشاكل النفسية التي يواجهها؟


(7) ماردك على من يقول إن الكثير من المتحدثين في التنمية الذاتية يخلطو هذا الأمر بالإسلام والديانات الأخرى وكأنهم يعطوه شرعية ما؟


من خلال كلامي السابق يتضح أن علوم التنمية البشرية علوم دنيوية في الأساس، نتجت عن الملاحظة والتجربة، ولكن في نفس الوقت لا مانع من وجود بعض من هذه المعلومات أو أساسياتها في تراث أمة من الأمم.

فهذه العلوم -أغلبها- علوم قامت بوضع قواعد لأشياء موجودة بالفعل!

فعلم النحو مثلا هو عبارة عن قواعد لنطق اللغة العربية نطقا صحيحا، مع أن العرب الأقحاح كان يطبقونها بدون أن يدرسوها!

كذلك علوم التنمية البشرية هدفها دراسة التفوق البشري ووضعه في قواعد، والتفوق البشري موجود على مر الزمان بدون أن يدرسه أحد، ولكن العلوم التنموية جاءت لوضع قواعد لهذا التفوق بحيث يمكن لأي أحد أن يطلع عليها ويطبقها.


(8) من رأيك ما المعوقات التي تواجه علم التنمية البشريه أو القائمين على تدريب هذا العلم؟ أو بمعنى آخر ماهي متطلبات هذا العلم لينتشر بشكل أفضل؟


أرى أن من أهم المعوقات هي الادعاءات الفارغة وعدم تقديم العلم الحقيقي من قبل بعض المدربين المتواجدين على الساحة، وهذا كما قلت سابقها يؤدي إلى ضعف ثقة الناس في هذه العلوم مع الوقت، وما ذلك إلا لأنها لم تقدم بشكلها الحقيقي، ولكن إن اهتم المدربون بتقديم الصورة العلمية الصحيحة لهذه العلوم فلا شك أن الأمر سيختلف بشكل كبير بإذن الله.


0 التعليقات: