القائد رائد ومكانه الطبيعي هو المقدمة
الطموح حق مشروع لجميع البشر، بشرط دفع تكاليفه!
والقيادة تداعب الجميع، ولكن من يؤدي ضرائبها..؟!
سهل جداً أن يستلقي الواحد منا على أريكته، ويرفع عقيرته عالياً وهو يؤكد أنه قادر على تغيير العالم لو مَلَك زِمَامه، ويستطيع إصلاح المجتمع لو أطلقوا يده، ويمكنه بقليل من التدبّر والحنكة فضّ الاشتباك القائم بين الدول والجماعات المختلفة، فقط لو يعطونه الفرصة!
كلنا نستطيع أن نمارس دور النقّاد الذين يقومون بعمل "تشريح" لجثّة الإنجازات، مع افتقاد معظمهم للأهلية والقدرة التي تمكّنهم من إتمام نصف أو حتى جزء ضئيل من العمل الذي أشبعوه نقداً وتقطيعاً!
إن الرواد والقادة والرموز الحقيقيين، قبل أن يطلبوا المنصب، يكون لديهم قناعة تامّة بقدرتهم على الوفاء بأي التزام سيفرضه هذا المنصب عليهم، واستعداد للتضحية قبل غيرهم من الأتباع، ودفع التكاليف كاملة دون نقص وبلا تردد.
يُروى أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كان الواحد منهم يربط حجراً على بطنه أيام غزوة الخندق من شدة الجوع؛ فذهب بعضهم إلى القائد صلى الله عليه وسلم يشتكي؛ فابتسم عليه الصلاة والسلام وقال: هوّنوا عليكم.. انظروا، وكشف بطنه الشريف؛ فإذا به يربط حجرين على بطنه الضامرة من شدة الجوع!
فعاد الصحابة إلى أعمالهم وقد تأكّدوا أن في المقدمة قائداً يحمل همّهم قبل همه، ويقوم بأعباء مهمته خير قيام.
إن القائد يا صديقي، هو الذي يتحكّم في الرسائل المرسلة إلى أتباعه، وهو قادر عبر سلوكه على بثّ الوَهَن أو الشجاعة في نفوس جنوده ومواليه.
والعظماء لم يصلوا إلى مراتب العظمة تلك إلا من خلال شجاعة بالغة، وروح وثّابة، وطبيعة مبادرة إيجابية، تضعهم دائماً في المقدمة، وتدفعهم إلى البذل واتخاذ القرارات الصعبة، التي لا يستطيع غيرهم اتخاذها.
يُروى عن الإسكندر الأكبر أنه عند مطاردته للملك "دارا" في الشام، قد أنهكه وجنوده التعب؛ خاصة بعدما أمر جنوده باستكمال المطاردة لمدة أحد عشر يوماً متواصلة؛ فنقص الماء، حتى كاد العطش يفتك بهم، وفكّر كثير منهم في النكوص وإعلان التمرّد والعودة من حيثُ أتوا.
وبينما هم مرابطون يهمسون فيما بينهم بغلظة الإسكندر وكيف يدفعهم إلى الموت عطشاً وتعباً؛ إذ بقافلة تمرّ عليهم، وعندما عَلِمَ مَن في القافلة أن الإسكندر وجيشه يُشرفون على الموت عطشاً؛ ذهب كبيرهم بقربة ماء إلى الإسكندر، وعندما رفع الإسكندر القربة، وجد الأعناق من حوله وقد تطاولت وهي تنظر إلى الماء في شوق، وحينها ردّ قربة الماء إلى الرجل دون أن يشرب منها قطرة، قائلاً: "إنني لو شربت وحدي لانهارت معنويات جيشي".
ولم يكد الجنود يرون تصرّف قائدهم، وقدرته على ضبط نفسه، وشهامته التي منعته من إرواء عطشه دون جنوده، حتى هتفوا له جميعاً، وطالبوه أن يزحف بهم إلى الأمام، وامتطوا خيولهم وهم يشتعلون حماسة وقوة؛ قائلين إنهم ما دام لديهم ملك كهذا؛ فإنهم يتحدَّوْن الظمأ والتعب، وسيطيعون أوامره مهما كانت قوّتها أو قسوتها.
وهذه من ضرائب القيادة التي لا يلقي لها كثير من الأدعياء بالاً؛ أن القائد يشعر أنه ليس بمعزل عن هموم أتباعه؛ فيشقى قبل شقائهم، ويعاني معهم، ولا يطالبهم بشيء لا يقوم هو به.
القائد يجب أن يكون في الصدارة؛ فيضرب الضربة الأولى، ويعطي بسلوكه قبل قوله أعظم دروسه وأصدقها.
لقد ابتلانا الزمان برؤية زعماء يعيشون في بروج عاجية؛ فأصيبت ممالكهم بالوَهَن والضعف، وخسروا ثقة أتباعهم ومَن تحت إمرتهم، وصار كلامهم وأفعالهم محلّ شك وريبة من الجميع!
والقائد الذي أعنيه؛ ليس فقط رئيس دولة أو قائد حرب، إنه أي شخص سُيّر إلى قيادة جماعة؛ سواء كان رئيس حزب، أو قائد كشافة، أو أباً في منزله، أو مديراً في مصلحة حكومية، ويأتمر بأوامره بضعة موظفين، أو حتى صاحب عمل خاص تحت يده القليل من الأشخاص.
القيادة هي القيادة، مرادف للمسئولية والتضحية والعطاء؛ فمن يطلبها يجب أن يتأكد جيّداً من قدرته على دفع تكاليفها.
سل نفسك قبل أن تتطلع لترقية وظيفية: هل أنت ملائم لها؟
سل نفسك قبل أن تتطلع لترقية وظيفية: هل أنت ملائم لها؟
قبل أن تتزوج توقّف قليلاً لتتأكد من قدرتك على قيادة البيت، والقيام بمهام زوجتك وأبنائك على أفضل شكل.
فكّر دائماً قبل أن تقول "أنا لها" وتساءل..
هل أنت فعلاً لها؟؟!
والخلاصة: إذا ما طلبت الزعامة، وتاقت نفسك إلى القيادة؛ فاسأل نفسك عن قدرتك على دفع الضرائب؛ فإما أن تكون قادراً فتطلبها، وإما أن تقف على حدود قدراتك، وتعيش في الثوب الذي يصلح لك!
وتذكّر دائماً أن القائد رائد، ومكانه الطبيعي هو المقدمة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات: